طلب مني أبي أن أرتدي الحجاب، وأرغمني على ذلك، فكان تارة يحدثني عنه أنه فرض على المسلمات، وتارة أخرى كان يخاطبني بلغة الوعيد والتهديد. فارتديت الحجاب بغير اقتناع؛ بل كنت أحتقر نفسي وأشمئز منها، عندما كنت أرتدي الحجاب الشرعي. فكنت أرى أنه يخفي جمالي، وكان يزداد عذابي وألمي حين أرى زميلاتي وهن متبرجات جميلات رغم إنني أفوقهن جمالا وحسنا، وكان يزيد من غضبي وحقدي على الحجاب ـ وعلى أبي الذي أرغمني علي وارتدائه ـ حين أسمع إحداهن تقول : أنت أجمل بدونه، وأخرى تقول لماذا تخفي جمالك وراء هذه الخرقة، وأخرى تقول ألا تشعرين بالضيق...
كنت أشعر وكأني أحمل جبلا من الغم والألم على رأسي، واستمر الأمر كذلك .
لكن حان وقت تحرري، لقد مات من كان يحملني ويأمرني بوضعي الحجاب الشرعي، أحسست بالحزن الشديد لوفاة، والدي فقد كنت أحبه رغم كل شيء، لكن في نفس الوقت أحسست بشيء من الفرح؛ لأني أخيرا سأتخلص من هذا القيد الذي أحمله. انتظرت فترة بعد وفاة والدي، وقمت في صباحٍ أستعد للذهاب إلى الجامعة، وشعري مكشوف على غير عادتي ومرتدية لباسا قصيرا، فرأتني أمي مندهشة، وحاولت منعي وردعي لكن أبيت وأخبرتها أني حرة في حياتي.
أما في الجامعة فقد تغيرتُ، وتغير العالم من حولي؛ فأرى في عيون هؤلاء دهشة، وفي عيون أولئك حزنا وأسفا... وشجعتني أخريات على أني صرت أجمل.
عدت إلى البيت لأجد أفراد أسرتي بانتظاري ، والكل ينظر إلي وبدؤوا في نصحي وتوبيخي .. وأمي تبكي ... لكن لم يؤثروا في واعتبرت المسألة تتعلق بي وبحريتي ، وأخبرتهم أني رغم نزع الحجاب ، لن أغير أخلاقي ولن أهمل واجباتي الدينية.
بدأت أعتاد على شكلي الجديد، وأحاول أن أتأقلم معه ومع ما صاحبه من متغيرات ، لكني بدأت أشعر أن الأمر لم يقتصر على تغيير في اللباس فقط ، بل بدأت تتبدل طباعي ، فلم أعد أحافظ على الصلاة في وقتها ، وعدت أدخل متأخرة إلى المنزل ، وتغيرت معاملة زملائي وزميلاتي معي فمن احترام وتقدير إلى احتقار واستصغار ، وإذا مررت على شباب الحي أسمع منهم همسات وكلاما ساقطا، وقد كنت إذا مررت بهم طأطأ الجميع رؤوسهم احتراما لي..
لكن رغم هذا كله قررت أن أتحمل تبعات ونتائج اختياري وتحرري من ما كنت أعتبره قيدا ، استمر الأمر شهرين؛ بدأت أحس بانقباض في صدري ويأس من الحياة ، وتخبط وعشوائية ، ووجدت نفسي أبتعد كثيرا عن ربي وعن أسرتي فلم أعد تلك الفتاة الطيبة التي تجالس أمها أسرتها وتساعدهم .
فهل حقا أنا متحررة؟ وهل كان الحجاب قيدا؟؟.
نعم لقد تحررت من ثوب كنت أترديه لكني قُيدت بقيود أخطر منه ، فبعدما كنت سعيدة ، لاأخشى الموت ، صرت الآن أحب الحياة وأكره كل من يذكر بالموت أو المرض.
بدأت أفكر في حياتي الآنية، وأقارنها بما كنت عليه، فأدركت أن أبي أراد أن ينجيني ويحميني من أخطار الفتن.
أدركت أن الحجاب ليس قيدا، بل هو وجاء ووقاية يحمي من الوقوع في الزلل.
أدركت أن الحجاب ليس مجرد رمز يميز المسلمة عن غيرها بل هو نعمة، يا سعادة من وفقه الله لها.
أدركت أن الجمال مع الحياء ليس محالا. وأنه لم يكن قيدا بل كان وجاء.