اعتدت كما اعتاد تلامذتي على السيجارة التي لاتغادر شفتاي ويدي ، ولم أكن أحترم هؤلاء الأطفال، ولا أهتم بمشاعرهم فكلما احتجت إليها ، أخرجتها من علبة السجائر وأوقدهاـ لكن أذكر أني كنت أقف بالقرب من النافذة لكي لا اوذيهم بالرائحةـ وكنت أعتبر هذا إنجازا عظيما ، وأن هذا هو الواجب الوحيد لي نحوهم.
وفي يوم كان على التلاميذ داخل المجموعات إنجاز عرض حول الصحة والرياضة، ولكل مجموعة حرية اختيار الموضوع .
قامت المجموعة الأولى لإلقاء عرضها الذي كان موضوعه حول التدخين،لم أهتم للعنوان ، لأني كنت أنهاهم وأحذرهم من هذه الظاهرة الخطيرة ، واعتبرت الأمر كباقي الدروس.
استمر التلاميذ في عرض مواد عرضهم ، إلى أن وصلوا لتساؤل: من يحمل مسؤولية حماية الأطفال من التدخين ؟ وما دور الأسرة والمدرسة في ذلك؟...
ومما قيل في الموضوع؛ قال أحدهم: يجب على الآباء والأساتذة، نهي الأطفال عن التدخين وإعطاء القدوة الصالحة في ذلك.. فأحسست بأن الكلام موجه لي ... فأحسست بشيء من الأسف والحسرة على نفسي ، فامتنعت عن التدخين ساعتها ، لكني سرعان ما عدت إليه فقد صرت مدمنا عليه ، ولازلت حتى الساعة التي غيرت سلوكي ، وأبكي كلما ذكرتها ، فخلال حصة للقرآن الكريم وفي شرح قوله تعالى من سورة ق " وجاءت سكرة الموت بالحق" تطرقت فيها إلى أن الموت حق، وأن ملك الموت يزورنا خمس مرات كل يوم ، فإذا جاء أجلنا قبض الروح ، وإن الإنسان يجب عليه ن يراقب الله في أعماله، ويسعى أن لا يراه الله، ولا يحضره ملك الموت فيما لايرضاه الله ...فقاطعني تلميذ قائلا : يا أستاذتي إذا حضر ملك الموت ووجدك تدخن ماذا تقول له ، فنظرت إليه مندهشا سابتا في مكاني ، ودمعت عيناي ولم أستطع ان أتمالك نفسي ، خرجت من الحجرة وكأن هذا التلميذ ضربني ضربة موجعة ، أثرت في كثيرا، فجعلت أفكر في كلامه وأطرح السؤال على نفسي: ماذا لو أتاني ملك الموت وفي يدي سيجارة؟.
فكان هذا آخر عهد لي مع التدخين، وفي الصباح الباكر أتيت ذاك التلميذ وقبلت رأسه أمام زملائه ، وشكرته .
ومنذ ذلك الحين وأنا أحدث التلاميذ وأنهاهم عن التدخين بقوة وجرأة لم أكن أعهدها في.بل لقد تغيرت حياتي ،وصرت سعيدا،وممتنا لتلميذي؛فقد أهداني توبتي.