في كل يوم تراني مسرعا نحو باب الثانوية، أنتظر خروج الطلبة من الباب الكبير، وأتربص بإحداهن وألاحقها، حتى لقد بدأت الكثيرات والكثيرون يعرفونني.
إنها الساعة الخامسة مساء ، أقف عند الباب وألاحظ الفتاة التي تبدو مناسبة ، والتي أرى في وجهها وحركاتها فرصة النيل منها وإيقاعها في شباكي، فتارة أكون موظفا وتارة قاطنا بالخارج ، وأخرى فتى ثري ومدلل ، ومرة ذاك العامل الشهم ... كل مرة حسب ما تقتضي شخصية الصحبة أن أكون كذلك ، أما الاسم فلا أختار إلا الأسماء الجذابة التي تحمل في نبرتها صفات الفتى الوسيم والطيب ، فمرة شادي وأخرى أنور.. وهكذا.
أتقن فن التمثيل رغم أني لم ألج معهد فنون، وأجيد الكلام المعسول، وسيد المواقف الجيدة....
بتصرفات هذه ومواصفاتي ، لا أترك لمن أختارها ضحية الأمسية، إلا أن تجثوا على ركبتيه معجبة بي ومتعلقة بي ..و يزداد الإعجاب حين نقترب من سيارتي ـ سيارة اكتريتها ـ التي أوقفتها بعيدا... وعندما تصعد الفتاة إليها، أكون حينئذ أحكمت قبضتيـ ووضعت فريستي في شباك مصيدتي.
هكذا كانت أيامي ، في كل يوم ضحية وفي كل أمسية فريسة ، حتى صرت القناص المحترف الذي لا يعود خاوي الوفاض.
لكن هذا اليوم رأيت فتاة آية في الجمال، وقررت أن تكون وجبة هذا المساء، فبدأت بملاحقتها،لكنها كانت ترفض ، فزادني إصرارها على ردعي ؛إصرارا على ملاحقتها. حاولت معها بكل الوسائل التي تعلمتها وبكل ما أجيده من فنون القنص ، لكنها كانت أصيلة ترفض حتى الكلام والالتفات إلي.
رأيتها فتاة محترمة فحاولت أسلوب الشيطان في العباءة البيضاء، وطلبت منها أن أحضر إلى، بيتها لطلب الزواج منها، ورجوتها أن تركب معي لأوصلها إلى البيت، وبعد إلحاح شديد وافقت.
أقلعت بالسيارة وصرت مسرعا، في طريق غير طريق منزلها، وهي تصرخ وتحاول الإمساك بالمقود، وأنا أخيفها وهي تبكي ... لم أفتح عيناي إلا وأنا في المستشفى؛ أرى الممرضات حولي ... وعلمت أن تلك الفتاة لم يصبها مكروه ـ عندما اصطدمت السيارة بعمود الكهرباءـ.
هكذا وجدت نفسي نجوت من الموت، فسألت نفسي ماذا لو مت، ماذا كنت سأقول لربي، وما ذنب تلك الفتاة التي سيظن بها أهلها سوءا.
وعندما خرجت من المستشفى؛ تقدمت إلى أسرة تلك الفتاة شارحا لهم المسألة، وطالبا الزواج بابنتهم،وإن لم يوافقوا بداية،استطعت إقناعهم، فكان بإذن الله الخير كل الخير.
فقد كاد يصطادني الموت، بعدما كنت أنا الصياد.