كنت أعيش سعيدا مع أمي، وزوجتي وثلاثة أطفال ، مع أني أشتغل مياوما، بثمن قليل، إلا أني كنت سعيدا، خاصة أن الوالد عليه رحمة الله ، ترك لنا منزلا يكفينا شر الإيجار.
كانت حياة بسيطة ، لكنها سعيدة ، ولم أكن أطمع في الدنيا ، ولا أريد منها شيئا ، فقد كنت أملك المسكن الواسع، والأم الطيبة، والزوجة الصالحة ،والأبناء الأبرار ، وأضمن؛ ولله الحمد؛قوتي يومي .
أشتغل طوال اليوم ، ثم أعود إلى المنزل وفي انتظاري ابتسامة زوجتي، ودعوات أمي وحفاوة صبياني ، هكذا كنت سعيدا .
وفي الصيف جاء لزيارتنا أحد أفراد العائلة القاطنين بالخارج، وعرض علي السفر للعمل في إسبانيا ، وأنه يعرف شخصا يبيع عقود العمل، فرفضت الأمر حينها، فلم أكن أفكر قط أن أرحل عن وطني ، أوبأن أشتغل في غيره ، وقد جاءتني قبل هذا اليوم فرص كثيرة للذهاب إلى الخارج ، لكن كنت أفكر جيدا ،وأخلص إلى أني سعيد في وطني، ومع أهلي ،ولا أريد أن أستبدل الذي هو خير، بالذي لا أعلم عنه شيئا.
لكن تلك الليلة لم تغمض جفناي، وسهرت الليل كله أفكر في عرض قريبي، وحلمت بإسبانيا، وبالسيارة الفخمة ،وبتلك البلاد ، ووجدتني أقبل عرضه.
وفي الصباح فاتحت أمي، وزوجتي في الأمر، فرأيت في كلامهما وأعينهما رفضا وتخوفا، لكنهما اعتبرا الأمر خاصا بي وانه قرار بيدي.
وضعت نفسي في حيرة ، ولم أشعر إلا وأنا أتصل بقريبي صاحب الفكرة ، والتقينا وناقشنا المسألة ، وأقنعني بالسفر بعدما جعلني أحلم بجنة الدنيا ، فوافقت على عرضه ، وطلب منه أن يلاقيني بصاحب عقود العمل تلك...
هذا الأخير، طلب مني مبلغا من المال، ليس باليسير، مقابل عقد العمل، وأنني بواسطة هذا العقد، أستطيع أن أعمل في أول يوم أصل فيه إلى إسبانيا.
عدت إلى البيت والهم كل الهم يتملكني؛ أين أجد مبلغ عقد العمل ؟ علما أن الرجل صاحب العقد طلب مني دفع نصفه ، والنصف الآخر بعد حصولي على التأشيرة ، وكان قريبي الذي عرفني عليه هو الضامن، بالإضافة أنه سيعطيني شيكا مقابل المبلغ الذي سيأخذه.
جلست مع أمي، وزوجتي نفكر من أين نحصل على المال؟
واقترحت أمي أن أبيع المنزل أو أرهنه .. رفضت الاقتراح في أوله ، لكني وجدته الحل الوحيد والأنسب وكانت إسبانيا في عيناي ، أراها تقول لي لن تكون بحاجة لهذا البيت بعودتك بالمال الوفير.
رهنا المنزل نصفه، وصار لدينا شركاء في منزلنا ، وذهبت لدفع المبلغ ، ووعدني الرجل بأن عقد العمل سيكون بين يداي خلال شهرين على الأكثر.
منذ ذلك الحين لم أذهب للعمل، وصرت متقاعسا عن كل شيء، إضافة إلى ما كنت أراه في المنزل، وصعوبة العيش مع شركاء؛ تشاركهم في الحمام والمطبخ،فقد صرنا مقيدين في بيتنا ، وبدأت تختفي البسمة المعتادة،وفرحة الأطفال ولعبهم ، بدأت أفتقد السعادة التي كنا عليها ، لكن كان عزاؤنا حلم إسبانيا وخيراتها ، وأن هذه الحياة مؤقتة ، وأننا سنكون أسعد مما كنا عليه من قبل.
اقترب موعد حصولي على عقد العمل، الذي كنت أرى فيه المخلص من هذه الحياة الصعبة، واتصلت بصاحب العقد ، لكن وجدت هاتفه غير شغال، وعاودت الاتصال به مرارا وتكرارا ، واتصلت بقريبي الذي عرفني عليه، ووعدني أن يتصل به، ويخبرني بما حدث.
اتصل بي قريبي، وأخبرني أن صاحبنا قبض عليه في السجن بإسبانيا، بتهمة التزوير وأنه لا يستطيع فعل أي شيء لي...
وتوجهت نحو البنك لأستفسر حول الشيكات التي أخذتها من عنده، لكنها كانت مزورة .. أحسست بغم وهم كبيرين، ولم أستطع العودة إلى البيت.
لكن لا ملاذ لي إلا أمي، وزوجتي وأطفالي ...عدت مكسور الجناحين، بل منتوف الريش ، ذليلا لا أستطيع رفع رأسي؛ والحمد لله أن وهبني زوجة صالحة، وأما عظيمة، وقفا بجانبي حتى عدت للعمل لأجمع المال ، وأخلص المنزل من الرهن ..
هذه إسبانيا اللعينة ، دمرت سعادتي ، وكادت تدمر بيتي، ومنذ ذلك الحين لم أفكر في الخارج والحمد لله.