كان الفقر نعمة

تزوجني وهو عامل بسيط في إحدى الشركات، كانت حياتنا صعبة للغاية، فالراتب قليل والحياة غالية، فكنت أفتقد إلى أبسط ما تحتاجه الزوجة،من لباس جميل وحذاء، وعقد ولو حتى من حديد... لكن كنت أجد سعادتي حين أرى زوجي سعيدا، وأعلم حبه لي ،وأن لا حيلة ولا سبيل له.
وقفت معه إيمانا بواجبي، وكان إيماني بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم يستوجب علي أن أكون صادقة صابرة، وبعد العسر يسرا.
رزقنا الله أولادا، وبدأت الحياة تبتسم لنا شيئا فشيئا ، وصار حال زوجي أحسن مما كان عليه.
كان يحبني كثيرا ويقدر لي وقوفي بجانبه ، وتحمل الشدائد معه، فقد كنا أحيانا لا نجد عشاء الليلة، وكانت تمر أيام لا توقد النار في بيتنا ؛بل في البيت الذي نستأجره؛ وكان يقول دائما لا تحزني فسيغنينا الله من فضله، وأعوضك كل شيء .
كان الإيمان بقضاء الله،وحبنا يجمع قلوبنا،وتوحدنا الصلاة جماعة،كنا سعداء سعادة أفتقدها الآن .
مرت السنون، وبدأ زوجي يتحسن حاله، بل انقلب إلى أحسن، وصار المال كثيرا،و رزقنا الله خيرا وفيرا، فقد أصبح زوجي مهما في شركته .
تحسنت ظروفنا المادية، واشترينا منزلا وسيارة، وصرنا في أثرياء والحمد لله. وكانت أول هدية أن سجل المنزل باسمي، ولم أفرح بالهدية نفسها، بل سعت بحبه لي وثقته في .
مرت الأيام، وصار زوجي يزداد غنى وثروة، لكن بدأ يصاحب هذا الغنى، تغير في السلوك، فصار الرجل يسهر الليالي، وصار يدخن، ولا يصلي الصلاة في وقتها ،وصرت أشتاق إلى ذلك الحنين؛الذي كان يعاملني به، بل إني كنت أشتاق إلى الجلوس مع زوجي ، الذي تغير حاله معي.
وفي إحدى الليالي؛ حين أخبر ته أنه تغير حاله ،ولم يعد زوجي الذي أعرفه؛ زوجي الرجل الطيب المتفاهم،الذي كان كل وقته زوجته وأبناءه، حتى صرنا لا نراه إلا كالهلال... أجابني أنه علي أنا كذلك أن أتغير، وأن أواكب التغيرات الجديدة في حياتنا، وأنسى ما كنت عليه .
أصبحت حياتنا مملة،رغم أننا لا نفتقد شيئا من متاع الدنيا ... لكن الأمر بدأ يؤلمني؛ حين بدأ ينام الليالي المتتالية خارج البيت، وصار يعاملني كالخادمة وحين أسأله،ييب غاضبا: وما ينقصك؟ تأكلين أطين الطعام،وتلبسين أحسن الملابس... وكنت مستعدة لأضحي بكل ما أنا فيه،ليعود لي زوجي كما كان .
وصار كل يوم شجارا، وحاولت جاهدة المحافظة على شتات أسرتي، لكني لم أستطع خاصة عندماعلمت أن زوجي أصبح يخالط المومسات، فاشتد الأمر علي، وأخذت أبنائي ومكثت في بيت والدي .
لكنه جاء وعرض علي أن أعود إلى البيت،فرهنت عودتي بأن يعود كما كان،لكنه رفض.
ليعود بعدها ويخبرني بكل بساطة، أنني لم أعد من مستواه، وأنه مستعد أن يلبي كل رغباتي مقابل حصوله على حريته .
طلقني... وتزوج بامرأة قال إنها من مستواه.
عدت إلى بيتي وصار همي الوحيد تربية أبنائي، وحاولت نسيانه،رغم أنه كان يزور أبنائه مرات .
لم يمر على زواجه إلا بضعة أشهر، حتى صار هذا الرجل مجنونا ،حين أفقدته الزوجة التي من مستواه، كل ما يملك .
هذا ما جره لنا المال؛ كنا فقراء سعداء ، وحين حل بيننا الدرهم الكثير، حلت معه التعاسة والشقاء، وتذكرت الحديث القدسي الذي قال صلى الله عليه وسلم :" إنما من عبادي فقيرا لو أغنيته لكفر، وإن من عبادي غنيا لو أفقرته لكفر".